السبت، 26 سبتمبر 2009

مقطع من انشودة المطر (بدر شاكر السياب)

أنشودة المطر

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،

أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر.

عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ

وترقص الأضواء... كالأقمار في نهَرْ

يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر

كأنما تنبض في غوريهما، النُّجومْ...

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ

كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء،

دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف،

والموت، والميلاد، والظلام، والضياء،

فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاء

ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء

كنشوة الطفل إذا خاف من القمر!

كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ

وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر...

وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم،

ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودةُ المطر...

مطر...
مطر...
مطر...





تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ

تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ.

كأنَّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام:

بأنَّ أمّه ـ التي أفاق منذ عامْ

فلم يجدها، ثمَّ حين لجّ في السؤال

قالوا لـه: «بعد غدٍ تعودْ..»

لا بدَّ أن تعودْ

وإن تهامس الرفاق أنَّها هناكْ

في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ

تسفّ من ترابها وتشرب المطر،
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ.

مطر..
مطر..


أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟

وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟



بلا انتهاء ـ كالدَّم المراق، كالجياع،
كالحبّ، كالأطفال، كالموتى ـ هو المطر!
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
ْ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق